كيف تكون للفراشات مقبرة؟



مقبرة الفراشات هي إحدى تلك الروايات التي توقفت كثيرا خلال قراءتها، وتوقفت كثيرا قبل أن أكتب عنها.
هذه الرواية هي قراءتي الأولى للكاتب سامي المقدم، ورغم أنني أسمع كثيرا عنه  إلا أنني لم أقرأ له لأنني لست قارئة كبيرة باللغة الفرنسية، لذلك كانت مفاجأتي سارة حين سمعت أن سامي المقدم صاحب الروايات الفرنسية يصدر رواية باللغة العربية، رواية ليست كبقية الروايات، رواية بعنوان متناقض حد الإثارة و مبهم حد الخوف.
نحن نعرف الفراشات برقتها وبحياتها وألوانها ومعجزاتها رغم عمرها القصير.. فكيف تكون للفراشات مقبرة؟
أولى مفاجآتي تخص اللغة، توقعت أن اللغة ستكون بسيطة و عادية لكون الكاتب يكتب أساسا بالفرنسية، لكنني بُهرت صدقا، اللغة تندرج ضمن السهل الممتنع والبسيط الذي يتميز بانفراده وسلاسته كالماء العذب وهو ينساب.
الرواية تدور بين عالمين أو ربما أكثر، لكنها تدور بخفة بين الولقع والخيال، فهي تنسج عالم الخيال بقرب يجعلك تشك في أنه خيال، كما تبقي الواقع غريبا بشكل يجعلك تشك أنك في الواقع.
يراوح الكاتب في سرده بين شخصيات العالم الحقيقي وبين شخصية نجهلها تنقل لنا ما يحدث في عالم خيالي توجد فيه مقبرة الفراشات. ويتنقل الكاتب بين العالمين بخفة وسلاسة تجعلك لا تفقد ارتباطك مع أحد العالمين وتزيد تشويقك في الآن نفسه. في الحقيقة، في لحظة ما اقتنعت أن ما يفصل الواقع عن الخيال هو مجرد خيط رقيق للغاية، وكان وقع الأحداث حقيقيا للغاية ولشدة ذهولي كنت أقرأ الكتاب وأنا أتحرك جيئة وذهابا شاعرة بالضياع والاحتراق الذي نال من الشخصيات.
القصة عن شاب يدعى ياسر وامرأة تدعى نور القمر وحبيب غائب حاضر يدعى أيمن. القصة عن العلاقات الغريبة وعن البحث عن الحقيقة، وعن المنطق وما سواه، وعن شاب يحيا حياة عادية إلى أن يقع في عشق محرّم يأخذه إلى عالم استثنائي، وعن اقتراف مخاطرات تجاوزت حدود الجنون، القصة عن القلوب المكسورة والوحوش التي تخفيها عوالمنا، عن المجتمع البائس والمشاعر المبتورة والكلام الذي لا يقال، عن الخوف من إدراك ما لا يجب أن يدرك وعن البحث عن أمل جديد وعن الحرية والتحرر في أجنحة الفراشة.
القصة عن الحياة، لكن لا شيء فيها يشبه الحياة، عن العقل، لكنها مبنية على الجنون.
في النهاية، هذه الرواية ذكرتني بالشعور الذي جعلني أختار القراءة كشغف أبدي منذ طفولتي، بحثا عن التساؤلات، عن الأجوبة، عن الآخرين وعن نفسي، عن الحقيقة وعن الدهشة.
شكرا للكاتب سامي المقدم على هذا الإبداع، ولكل من شارك في الجريمة.


KhaOula

تعليقات