كيف للحروف أن تخلق كل هذا السّحر داخلي؟



"كتب جديدة تنير مكتبتي." هذا العبارة التي أقولها كل مرّة أشتري فيها كتابا، لأنّني أشعر أن الكتب تجعلني أشرق فعلا، أشعر أن كل كتاب أضعه بين يديّ ثم في مكتبتي  شعلة مضيئة،  يرعة ترفرف وتضيئ فتنير مكتبتي وقلبي. كل مرة أشتري فيها كتابا، كلّ مرة أقرأ فيها كتابا وأرى الحروف تغزل لوحات جميلة أتساءل:" يا إلهي، كيف للكتب أن تنثر كل هذا الألق في روحي؟ كيف للحروف أن تخلق كل هذا السّحر داخلي؟".

 تخبرني أمي دائما أنني حين كنت طفلة أتعلم القراءة كنت دائما ألتقط الأوراق في أي مكان أجده، وأحاول قراءتها بكل شغف. غالبا كنت أحاول تفكيك سحر الحروف الذي مازلت أتساءل عنه حتى اليوم. صحيح أنني أقرأ منذ طفولتي، لكنني رغم ذلك مازلت لم أقرأ الكثير من الكلاسيكيات، مازلت لم أقرأ للكثير من الأدباء الذين أحبهم قبل أن أقرأ لهم. ومازلت كلما قرأت كتابا أشعر أنني متعطشة للقراءة أكثر فأكثر. صحيح أنني لم أقرأ للكثيرين، لكنّني رغم شخصيتي الانطوائية بعض الشيء فأنا متحدثة جيدة عندما يتعلّق الأمر بالكتب، لأنني أتحدث عنها بكل السّحر والشغف القابع في روحي. الكتب هي العالم الذي لا يمكنني أن أوفيه حقه مهما قلت، وأدرك جيدا أن كل محب للكتب وقارئ يفهم جيّدا ما أشعر به.  ولأن سحر الحروف يأسرني، توجهت للكتابة والترجمة لأن كلاهما لا يقلان سحرا عن القراءة، وربما في فترة ما كنت نسيت ذلك، في فترة ما كان شغفي يتناقص شيئا فشيئا، في فترة ما بدأت أفتقد سحر القراءة والكتابة ونشوتهما، لكنّني محظوظة بما يكفي لأنّني قرأت كتابا مؤخّرا جعلني أشعر، كتاب سيكون دائما خاصّا ومميزا جدا بالنسبة لي، لأنه ذكّرني بكل ذلك، وجعلني أشعر بقوّة عجيبة بالسّحر الذي يلفّ الحروف، جعل شغفي يتجسّد أمامي، قراءتي للكتاب جعلتني أرى نفسي والأيام والليالي الطويلة التي كنت أقرأ وأكتب فيها وأنا أشعر بكل حرف كأنه تعويذة تلقى فأرى نفسي أمام لمعان يحلّق بروحي عاليا عاليا، لتنير وتشرق مجدّدا كما تنير الكتب مكتبتي. ذلك الكتاب جعلني أبصر جيّدا كل ما يحيط بي، الأشخاص، والأشياء، والتفاصيل، كل شيء في حياتي متعلق حرفيا بالحروف والكتب، أنا شخص متقلب المزاج جدا، شخص حساس جدا، أعاني كثيرا من فترات من القلق النفسي وشعوري بأنّني لست جيدة بما يكفي، لكنني حين أتأمل حياتي وأفكر في سنواتي، أرى كيف أن الكتب والحروف كانت دائما ما ينقذني ويخلق في روحي أجمل اللحظات والتفاصيل، وأرى كيف أن الأشخاص الذين عرفتهم بفضل عشقي للكتب هم وحدهم القادرون على خلق السلام في روحي بشكل ساحر تماما كسحر الحروف.

أنا الآن أريد أن أقرأ كثيرا وأن أكتب كثيرا وأن أراقب الحروف وهي تنسج سحرها، وأستمتع بامتنان بالجمال الذي تخلقه.

أنا مدار حول كوكب منسوج من الحروف، كوكب تسكنه الكتب، كل الكتب التي كتبت ولم تكتب بعد، كل الكتب التي سُكبت فيها أرواح الآخرين. أنا فسيفساء مصنوعة من نور الحروف، كل جزء مني صفحة مكتوبة بحبر مضيء، وذلك لن يتغيّر مهما حييت. أنا لا شيء دون الحروف، أنا لا شيء دون الكتب.

KhaOula

تعليقات

إرسال تعليق

عطر أحرفك يشجعني